عاد التضخم إلى الولايات المتحدة في فبراير/شباط بعد ارتفاع أسعار البنزين العالمية. وهذا يضع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في موقف أكثر تعقيداً فيما يتصل بخفض أسعار الفائدة، كما يثير الشكوك حول ما إذا كان سيناريو "الهبوط الناعم" لا يزال واعداً كما كان من قبل؟
ارتفاع أسعار النفط يعيد التضخم في الولايات المتحدة
وعلى النقيض من اعتقادات السوق في بداية العام بأن التضخم الأساسي في الولايات المتحدة كان تحت السيطرة، أظهرت البيانات التي أصدرها مكتب إحصاءات العمل الأميركي في الثاني عشر من مارس/آذار الصعوبات التي يواجهها بنك الاحتياطي الفيدرالي في المراحل الأخيرة من معركته لتثبيت الأسعار. في فبراير/شباط، سجل مؤشر أسعار المستهلك الرئيسي في الولايات المتحدة ارتفاعا للشهر الثاني على التوالي بنسبة 3.2% على أساس سنوي، وهو ما يزيد بنحو 0.1 نقطة مئوية عن التوقعات.
ورغم انخفاضه بشكل كبير عن ذروته البالغة 9.1% في عام 2022، فإن الرقم 3.2% لا يزال بعيدًا عن هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وفي الوقت نفسه، بدأت تكاليف الطاقة، التي ساهمت في تباطؤ كبير في التضخم خلال العام الماضي، في الارتفاع مرة أخرى.
كقاعدة عامة، فإن زيادة أسعار النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل ترفع معدل التضخم العالمي بنحو 0.3 نقطة مئوية. وفي فبراير/شباط، اقتربت أسعار النفط الخام غرب تكساس الوسيط من مستوى 80 دولارا للبرميل في مرحلة ما، وهو ما يمثل زيادة بنحو 13% منذ بداية العام. وتماشيا مع حركة أسعار النفط الخام العالمية، ارتفعت أسعار البنزين بالتجزئة في الولايات المتحدة أيضا بنسبة 3.8% في الشهر الماضي، وهي أقوى زيادة في سلة السلع المستخدمة لقياس مؤشر أسعار المستهلك.
قال السيد دونغ دوك كوانغ، نائب المدير العام لبورصة السلع الفيتنامية (MXV): "شكّلت الزيادة بنسبة 2.3% في مجموعة الطاقة والزيادة بنسبة 0.4% في مجموعة الإسكان ما يقرب من 65% من إجمالي الزيادة في مؤشر أسعار المستهلك الأمريكي في فبراير. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه، مما يُشكّل عائقًا رئيسيًا أمام جهود الاحتياطي الفيدرالي لمكافحة التضخم".
وفي تقريرها حول توقعات الطاقة قصيرة الأجل لشهر مارس/آذار، قالت إدارة معلومات الطاقة الأميركية إن سوق النفط الخام العالمية ستعاني من عجز يبلغ نحو 870 ألف برميل يوميا في الربع الثاني. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن أسعار النفط الخام الأميركي قد تقترب من 85 دولاراً للبرميل. ونظراً للارتباط الوثيق بين أسعار الطاقة والتضخم، فإن دورة خفض أسعار الفائدة التي ينفذها بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام قد تحمل العديد من المفاجآت.
ويظل توقيت خفض أسعار الفائدة لغزا.
في ختام اجتماعه الذي استمر يومين يومي 19 و20 مارس/آذار، أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي على توقعاته بشأن خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات هذا العام. ومع ذلك، قام المسؤولون بمراجعة توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة في عام 2025 بالخفض. ويتوقع صناع السياسات الآن ثلاثة تخفيضات فقط في العام المقبل، انخفاضًا من أربعة تخفيضات كما كان متوقعًا في ديسمبر/كانون الأول.
ستكون قوة الاقتصاد الأميركي هي الأساس لقرار بنك الاحتياطي الفيدرالي بإبطاء عملية خفض أسعار الفائدة. وعلى وجه التحديد، قال بنك الاحتياطي الفيدرالي إن النمو في الولايات المتحدة في عام 2024 سيصل إلى 2.1%، وهو ما يزيد بنحو 0.7 نقطة مئوية عن التقديرات.
في السابق، كانت السوق متفائلة للغاية بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يغير سياسته قريبًا في عام 2024، وربما يبدأ ذلك في وقت مبكر من شهر مارس مع سلسلة من التوقعات من البنوك. حتى بنك يو بي إس الاستثماري، وهو بنك كبير من سويسرا، يعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفض أسعار الفائدة بمقدار 275 نقطة أساس هذا العام.
وتعزز تفاؤل السوق في اجتماع ديسمبر/كانون الأول، عندما أرسل بنك الاحتياطي الفيدرالي رسالة أكثر تيسيراً للمرة الأولى، معترفاً بالتطورات الإيجابية في التضخم وتوقع خفض أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في عام 2024.
ومع ذلك، اهتزت ثقة السوق بسبب التأثير القوي للزيادة غير المتوقعة في التضخم في يناير/كانون الثاني. وهذا يجعل توقيت خفض أسعار الفائدة لا يزال غير معروف، ولكن من المؤكد تقريبا أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يغير سياسته في وقت لاحق من هذا العام.
وبالتالي، فإن سياسة التشديد النقدي التي انتهجها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على مدى أكثر من عام تقترب تدريجيا من نهايتها. إن الطريق لإيجاد حل لمشكلة التضخم - زيادة أسعار الفائدة يفسح المجال تدريجيا لمشكلة خفض أسعار الفائدة - النمو.
هل لا يزال سيناريو "الهبوط الناعم" الذي أعلنه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي واعدا؟
على الرغم من إبقاء بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة مرتفعة لأكثر من عام، فقد صمد الاقتصاد الأمريكي بشكل جيد بشكل مدهش في عام 2023. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بمعدل 3.3% في الربع الرابع من عام 2023، مما يمثل نهاية قوية لعام اعتقد فيه العديد من خبراء الاقتصاد أن الولايات المتحدة ستقع في حالة ركود.
في الوقت الحالي، نجح بنك الاحتياطي الفيدرالي في الحفاظ على ارتفاع نمو الطلب مع إبقاء ضغوط الأسعار عند أدنى حد لها. ومع ذلك، فضلاً عن العوامل الإيجابية، لا تزال هناك مخاطر تهدد الاقتصاد رقم 1 في العالم.
قال دونغ دوك كوانغ: "إن التضخم الناتج عن ارتفاع التكاليف، والناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، خارج عن سيطرة الاحتياطي الفيدرالي. ورغم أن احتمالية نجاة الولايات المتحدة من الركود هذا العام لا تزال 70%، إلا أن استمرار الاحتياطي الفيدرالي في تأجيل تغيير سياسته النقدية ومحاولة تحقيق هدفه التضخمي قد يضغط على الاقتصاد على المدى المتوسط".
في الواقع، بدأت الصورة الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة تظهر بعض "الضبابية" مع تغلغل السياسة النقدية في الاقتصاد بشكل أكبر. بدأ الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل ثلثي النشاط الاقتصادي الأميركي، عام 2024 على نحو بطيء، حتى أنه ضعف بنسبة 1.1% في الشهر الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفيما يتعلق بسوق العمل، ارتفع معدل البطالة في الولايات المتحدة أيضا إلى 3.9% في فبراير/شباط بعد استقراره عند 3.7% لثلاثة أشهر متتالية. وعلاوة على ذلك، تظل مخاطر التضخم تشكل عائقا كبيرا أمام النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة. وبحسب دراسة حديثة أجراها بنك مورجان ستانلي، فإن التعامل مع التضخم يظل الشغل الشاغل للمستهلكين الأميركيين، باستثناء أولئك الذين يتجاوز دخلهم 150 ألف دولار.
بحلول نهاية هذا العام، قد يواجه الاقتصاد الأميركي خطراً أكبر بالضعف، كما أظهر التاريخ أن الوقت الذي يخفض فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هو أيضاً الوقت الذي تتعرض فيه الولايات المتحدة لخطر الوقوع في الركود. كما حدث في عامي 2000 و2008، عانى الاقتصاد الأميركي من ركودين كبيرين بعد أربعة إلى ستة أشهر فقط من بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة.
وفقا لوكالة الأنباء الفيتنامية
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)