تغرق الصين والولايات المتحدة بشكل أعمق في مواجهة خطيرة وصامتة: حرب على المعادن والتكنولوجيا الاستراتيجية، مع خسائر بمليارات الدولارات وخطر عكس مسار التنمية العالمية.
في "الحرب الصامتة".. الولايات المتحدة تتفوق في الرقائق لكن الصين تمتلك المواد اللازمة لإنتاجها - صورة: رويترز
في حين تمتلك الولايات المتحدة شرائح أشباه الموصلات المتطورة اللازمة لكل جهاز تكنولوجي، تسيطر الصين على جميع المعادن الأساسية اللازمة لإنتاج هذه الرقائق تقريبا.
الصين تهيمن على المعادن
بدأت الحرب الصامتة بين القوتين في عام 2019، عندما فرض الرئيس دونالد ترامب قيودًا على الصادرات تستهدف شركة هواوي - شركة التكنولوجيا الرائدة في الصين. ولم يؤد هذا إلى إشعال سلسلة من الإجراءات المتبادلة بين واشنطن وبكين فحسب، بل كشف أيضاً عن الاعتماد العميق للصناعة الأميركية على الإمدادات المعدنية من الصين.
ومع ذلك، وعلى النقيض من رد الفعل قصير الأمد من جانب الولايات المتحدة، كانت الصين تستعد لهذا السيناريو منذ فترة طويلة. على مدى عقود من الزمن، لم تعمل بكين بهدوء على بناء نظام للسيطرة على سلسلة توريد المعادن الاستراتيجية العالمية فحسب، بل عملت أيضًا على تعزيز قدرتها الإنتاجية للهيمنة على السوق.
تستخرج الصين حاليا 70% من المعادن النادرة في العالم، وتعالج 87% من الخامات المستخرجة، وتنقي 91% من المعادن النادرة المعالجة إلى منتجات نهائية. ولا تظهر هذه الأرقام تفوق الصين فحسب، بل تعكس أيضًا اعتماد العالم على الصين في قطاع التكنولوجيا.
ولم تتوقف الصين عند الحدود الوطنية، بل استثمرت في دول غنية بالمعادن مثل إندونيسيا ومالي وبوليفيا وزيمبابوي. وعلى الرغم من أوضاعها السياسية المتقلبة في بعض الأحيان، فإن هذه الدول تمنح الصين السيطرة على إمدادات المعادن النادرة والكوبالت والنيكل والليثيوم. وهذا يساعد بكين على إنشاء "إمبراطورية معدنية" ذات نفوذ عالمي.
وفي الوقت نفسه، تتخلف الولايات المتحدة والغرب في هذا السباق. لقد أدت القيود البيئية الصارمة وإحجام البنوك عن تمويل المشاريع المحفوفة بالمخاطر إلى شل مشاريع التعدين في الولايات المتحدة فعليا. ومن الأمثلة البارزة على ذلك إنتاج الإثمد ـ وهو معدن مهم ـ في الولايات المتحدة، والذي توقف تماما منذ عام 1999.
بكين مستعدة وواشنطن بطيئة
في عهد الرئيس جو بايدن، لم تنخفض التوترات بين الولايات المتحدة والصين فحسب، بل استمرت في التصعيد. شهر
10-2022، واشنطن تفرض حظراً على تصدير شرائح أشباه الموصلات المتقدمة لمنع بكين من تطوير الذكاء الاصطناعي. وهذه خطوة جذرية لحماية الميزة التكنولوجية الأميركية، لكنها في الوقت نفسه تدفع التوترات إلى مستوى جديد.
وردًا على ذلك، أعلنت بكين في يوليو/تموز 2023 عن فرض قيود على صادرات الغاليوم والجرمانيوم - وهما معدنان رئيسيان في إنتاج الرقائق. وفي غضون بضعة أشهر فقط، تراجعت تجارة المعادن النادرة بين البلدين بشكل كبير، بل توقفت بشكل كامل تقريبا.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ففي سبتمبر/أيلول 2024 واصلت الصين فرض القيود على صادرات الأنتيمون. ولم يقتصر الأمر على انخفاض تجارة الإنتيمون بنسبة 97%، بل أدى أيضاً إلى رفع سعر المعدن بنسبة 200%. وبلغت الأمور ذروتها في 3 ديسمبر/كانون الأول 2024، عندما أعلنت بكين حظرا كاملا على تصدير الإنتيمون والغاليوم والجرمانيوم إلى الولايات المتحدة.
وهذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها الصين الولايات المتحدة علناً في خطوة محددة، مما يمثل نقطة تحول جديدة في المواجهة الاستراتيجية.
ويقول المراقبون إن هذه الخطوات ليست انتقامية فحسب، بل تهدف أيضا إلى تعزيز مكانة بكين في اللعبة الجيوسياسية العالمية.
وبحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن الصين في "وضع حرب" عندما يتعلق الأمر بالسيطرة على إمدادات الجرمانيوم والغاليوم - وهي عناصر مهمة لصناعة الدفاع. وهما معدنان لهما دور استبدال المواد السيليكونية في أنظمة الأسلحة الحديثة بفضل خواصهما المتفوقة.
وعلى النقيض من ذلك، لا تزال أميركا تحافظ على الموقف الهادئ الذي يتسم به زمن السلم. إن صناعة الدفاع الأمريكية تفتقر حاليًا إلى القدرة على زيادة الإنتاج لتلبية الاحتياجات العاجلة في ساحة المعركة.
إن القيود الصارمة المتزايدة من جانب بكين لن تؤدي إلا إلى توسيع هذه الفجوة الاستراتيجية، مما يعرض الولايات المتحدة لمزيد من المخاطر.
إن التحديات التي تواجه واشنطن لا تتمثل في نقص الإمدادات فحسب، بل أيضاً في الافتقار إلى سياسات طويلة الأجل للتعامل مع هذه الأزمة. في حين تواصل الصين توسيع نفوذها من خلال مشاريع الاستغلال الدولية، تواجه الولايات المتحدة صعوبة في بناء تحالفات استراتيجية لمواجهتها.
من سيقود المستقبل؟
إن حرب المعادن ليست مجرد قصة بين الولايات المتحدة والصين، بل إنها تعكس أيضا حقيقة مهمة: وهي أن السيطرة على الموارد الطبيعية أصبحت سلاحا استراتيجيا في القرن الحادي والعشرين.
إن قيام بكين ببناء نظام قوي للتعدين وسلسلة التوريد ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل هو أيضًا استراتيجية جيوسياسية مخططة منذ فترة طويلة.
إن المستقبل الذي تهيمن فيه الصين على سوق المعادن وكأنها "منظمة أوبك المكونة من عضو واحد" هو سيناريو لا يمكن للولايات المتحدة والغرب أن يسمحا بحدوثه. إنها ليست مجرد قصة اقتصادية فحسب، بل هي أيضا مسألة بقاء للتوازن الاستراتيجي العالمي.
مع انتقال العالم إلى عصر التكنولوجيا الخضراء والذكاء الاصطناعي، فإن حرب المعادن بين الولايات المتحدة والصين ليست مجرد مواجهة على الموارد، بل هي أيضًا سباق لتحديد من سيقود المستقبل.
[إعلان رقم 2]
المصدر: https://tuoitre.vn/cuoc-chien-tham-lang-giua-my-va-trung-quoc-20250106064149708.htm
تعليق (0)