يعد عام 2024 "عام الانتخابات العظيم" في أفريقيا، حيث تخطط 18 دولة لإجراء انتخابات عامة، وهو ما يمثل تقدم الديمقراطية والتغيرات السياسية الكبرى في العديد من بلدان القارة.
"ريح جديدة" في البنية السياسية
في عام 2024، تخطط 18 دولة لإجراء انتخابات عامة، وهو ما يمثل أكثر من ثلث العدد الإجمالي للدول الأفريقية، التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 500 مليون نسمة، وتغطي جميع المناطق الفرعية: جنوب أفريقيا (5 دول)، وشمال أفريقيا (دولتان)، وغرب أفريقيا (7 دول)، وشرق أفريقيا (3 دول)، ووسط أفريقيا (دولة واحدة).
إن تركيبة البلدان الانتخابية متنوعة، حيث تشمل لاعبين اقتصاديين إقليميين أقوياء مثل جنوب أفريقيا والجزائر، فضلاً عن بلدان أقل نمواً نسبياً مثل جنوب السودان وبوركينا فاسو؛ الدول الأفريقية الناطقة باللغتين الإنجليزية والفرنسية...
وبناء على النتائج النهائية للانتخابات، فإنه باستثناء خمس دول أرجأت الانتخابات، أجرت 13 دولة انتخاباتها بسلاسة. ومن بين هذه الدول، أعيد انتخاب الزعماء الحاليين في 7 دول، وانتخبت 6 دول زعماء جدد، وتولى مرشحو المعارضة السلطة في 4 دول.
وتُعتبر انتخابات عام 2024 في أفريقيا بمثابة خطوة تاريخية إلى الأمام في تعزيز الشفافية السياسية والمنافسة. بعد الانتخابات، وصل إلى السلطة العديد من القادة الشباب المبدعين، ممثلين لجيل جديد يتبنى توجهاً سياسياً يؤكد على المصالح الوطنية والسيادة والاستقلال عن النفوذ الأجنبي.
ويمكن القول إن أفريقيا ستشهد في عام 2024 العديد من التغييرات المهمة في بنيتها السياسية، وهو ما يعكس نضج النظام السياسي الإقليمي وقابليته للتكيف.
لقد أدى التحول الديمقراطي، وظهور زعماء جدد، وتزايد المنافسة السياسية إلى تعزيز ثقة الناس في البلدان الأفريقية. (المصدر: بان أفريكا ريفيو) |
وفي العديد من البلدان الرئيسية، تواجه الأحزاب الحاكمة منذ فترة طويلة تحديات كبرى لأول مرة مع انتقالها إلى أحزاب المعارضة. في جنوب أفريقيا، خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي هيمن على السياسة لمدة ثلاثة عقود، السيطرة المطلقة على البرلمان بعد انتخابات شهدت منافسة شرسة.
وعلى نحو مماثل، خسر الحزب الديمقراطي البوتسواني، الذي كان الحزب الحاكم منذ الاستقلال في عام 1966، السلطة في بوتسوانا أمام ائتلاف معارض. لقد شكلت هذه الأحداث نقطة تحول تاريخية، وفتحت الفرص أمام أحزاب أخرى للمشاركة بشكل أعمق في صنع السياسات.
وفي العديد من البلدان الأخرى، أصبحت الهياكل السياسية أكثر مرونة وتعكس احتياجات الشعب بشكل أفضل. وتنعكس هذه "الرياح الجديدة" في الدور المتزايد تدريجياً لأحزاب المعارضة، وهو ما يتجلى من خلال الانتصارات التاريخية في غانا وبوتسوانا وموزامبيق؛ ويتجلى التحول في القوة في تشكيل تحالفات سياسية جديدة. وفي موريشيوس وغانا، كان انتقال السلطة سلميا وشفافا، مما عزز ثقة الناس في النظام الانتخابي الديمقراطي.
وعلى المستوى الإقليمي، تشهد هياكل السلطة أيضاً إعادة تشكيل جذرية. ويمثل الإعلان عن إنشاء "اتحاد دول الساحل" من قبل الدول الثلاث مالي وبوركينا فاسو والنيجر جهدا جديدا لتعزيز التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري في ظل الخلافات مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). ورغم بعض العقبات، فإن هذه الخطوة تظهر تصميم البلدان على تشكيل مستقبل المنطقة في اتجاه أكثر استقلالية.
وبشكل عام، فإن التغييرات في البنية السياسية لأفريقيا في عام 2024 تعكس التحول العميق الذي تشهده المنطقة. لقد أدى التحول الديمقراطي، وظهور زعماء جدد، وزيادة المنافسة السياسية إلى تعزيز ثقة الناس في المؤسسات وعملية الإصلاح. وهذا يشكل أساسًا مهمًا لأفريقيا لمواجهة التحديات والتقدم نحو التنمية المستدامة في المستقبل.
زيادة الالتزامات الأمنية
وفي عام 2024، ستواصل المنظمات الإقليمية والدولية الاضطلاع بدور مهم في دعم أفريقيا في مواجهة القضايا الأمنية المعقدة. وتشمل هذه الجهود مهام حفظ السلام ودعم مكافحة الإرهاب وتعزيز مبادرات المصالحة في المناطق الساخنة في المنطقة.
وعلاوة على ذلك، ساهم الدعم المقدم من المنظمات الإقليمية مثل مجموعة تنمية الجنوب الأفريقي ومجموعة شرق أفريقيا في "طمأنة" القارة. وفي شرق الكونغو، ساعد إشراك قوات حفظ السلام التابعة لمجموعة تنمية أفريقيا الجنوبية على تعزيز القدرة على التعامل مع الجماعات المسلحة مثل حركة إم23. ويمكن القول إن هذا يمثل استمرارًا للجهود السابقة التي بذلتها القوة العسكرية لمجموعة شرق إفريقيا، مع الرغبة في إنشاء جبهة تعاونية بين الدول الإقليمية لمنع تصاعد العنف.
كما تدعم بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال الحكومة الفيدرالية الصومالية في تعزيز قدرتها على مكافحة الإرهاب. وتعهدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر وكينيا بتوفير الموارد المالية والبشرية والمادية لدعم قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي في الصومال. ولا تساعد هذه الجهود في تدريب قوات الأمن فحسب، بل تساهم أيضاً في بناء البنية الأساسية اللازمة لضمان الأمن على المدى الطويل.
تدعم بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال الحكومة الفيدرالية الصومالية لتعزيز قدرتها على مكافحة الإرهاب. (المصدر: صحيفة الصومال غارديان) |
ومن الجدير بالذكر أن جهود الوساطة الدولية أحرزت أيضاً تقدماً في الحد من التوترات الإقليمية. وبشكل عام، وبوساطة تركيا، وقعت إثيوبيا والصومال اتفاقا لتنحية خلافاتهما جانبا مؤقتا من أجل تعزيز التعاون الإقليمي. وعلى نحو مماثل، لعبت أنجولا دور الوسيط في استئناف محادثات السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، على الرغم من أن النتيجة لا تزال غير واضحة.
علاوة على ذلك، سيشهد الاقتصاد الأفريقي أيضًا العديد من النقاط المضيئة في عام 2024. ووفقًا لتقرير "الوضع الاقتصادي العالمي والآفاق" (WESP)، من المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي الأفريقي في عام 2024 إلى 3.4٪. ويأتي المحرك الرئيسي للنمو من تعافي ثلاثة اقتصادات رئيسية في المنطقة: مصر ونيجيريا وجنوب أفريقيا.
ومن حيث هيكل النمو دون الإقليمي، حققت منطقة شرق أفريقيا معدل نمو أسرع من المناطق الفرعية الأخرى. ويرجع ذلك إلى أن إثيوبيا وكينيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا حافظت على نمو مرتفع نسبيا في الناتج المحلي الإجمالي، والطلب المحلي المستدام، والتعافي القوي للسياحة الدولية.
ويعتبر النمو في وسط أفريقيا أقل من النمو في المناطق الفرعية الأخرى بسبب الركود في إنتاج النفط الخام في تشاد وغينيا الاستوائية والجابون؛ في حين تتعافى جمهورية أفريقيا الوسطى بشكل أبطأ.
إن التغييرات في البنية السياسية لأفريقيا في عام 2024 لا تعكس اتجاها قويا نحو الديمقراطية فحسب، بل إنها تفتح أيضا فرصا لإعادة تشكيل السلطة في المنطقة. إن ظهور زعماء جدد، وصعود أحزاب المعارضة، والجهود الرامية إلى تعزيز التعاون الإقليمي، كلها عوامل تخلق "رياحا جديدة" في السياسة القارية. ورغم التحديات العديدة، فإن هذه التطورات تشكل أساساً مهماً لأفريقيا للتحرك نحو مستقبل أكثر استقراراً وتطوراً واعتماداً على الذات.
(يتبع)
[إعلان 2]
المصدر: https://baoquocte.vn/chau-phi-tren-hanh-trinh-tu-chu-va-doi-moi-ky-i-viet-lai-trat-tu-quyen-luc-307853.html
تعليق (0)