تخوض الولايات المتحدة حاليا أول معركة بحرية كبرى منذ الحرب العالمية الثانية، بحسب القائد المشرف على القوات البحرية الأميركية في الشرق الأوسط. لكن هذه ليست مواجهة بين القوى العالمية، بل معركة بين قوة عظمى وجماعة مسلحة معزولة تسيطر على واحدة من أفقر المناطق وأكثرها نقصاً في الموارد على وجه الأرض.
وتؤدي هجمات الحوثيين على حركة الملاحة في البحر الأحمر إلى تآكل حرية الملاحة التي تعتبر قاعدة دولية، وتهدد مبدأ شكل أساس النظام الدولي والاقتصاد العالمي لعقود من الزمن. إن حقيقة أن هجمات الحوثيين أصبحت أقل ذكراً في الأخبار، حتى مع استمرار حدوثها، وأن خطوط الشحن الكبرى تستمر في تجنب البحر الأحمر، دليل على أن "وضعاً طبيعياً جديداً" قد تم إنشاؤه وأن حرية الملاحة هناك لم تعد مضمونة.
أدت الاضطرابات في حركة الشحن الناجمة عن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر إلى زيادة تكلفة شحن البضائع على بعض الطرق من الصين إلى أوروبا. الصورة: وكالة اسوشيتد برس |
ومن غير المرجح أن يختفي هذا التهديد في أي وقت قريب. لدى الحوثيين أسباب كافية لمواصلة الهجمات في البحر الأحمر وربما أبعد من ذلك حتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في قطاع غزة، ويبدو أن الاستجابة الدولية حتى الآن غير كافية لردعهم.
وقف إطلاق النار في غزة هش
وقد يكون من الضروري التوصل إلى نوع من التهدئة الإقليمية لوقف هجمات الحوثيين على المدى القصير، نظراً للدوافع الأيديولوجية الحقيقية للحوثيين والحاجة إلى إثبات للرأي العام أن هجماتهم تهدف إلى تأمين بعض المكاسب للفلسطينيين. ولكن وقف إطلاق النار في قطاع غزة وحده لا يكفي لمعالجة التهديد الحوثي لحرية الملاحة.
ويقول العديد من الخبراء في الشأن اليمني إن هدف دعم الفلسطينيين ليس الدافع الرئيسي وراء هجمات الحوثيين. والدافع الأقوى هو الحاجة إلى صرف انتباه الرأي العام عن المعارضة الداخلية المتزايدة لقيادة الحوثيين منذ دخول وقف إطلاق النار في اليمن حيز التنفيذ في أبريل/نيسان 2022، فضلاً عن الحاجة إلى تعزيز موقف الحوثيين في اليمن والمنطقة.
إن اليمن تمر بمرحلة انتقالية يطلق عليها العديد من اليمنيين اسم "فترة لا حرب ولا سلم". وقد أدى اتفاق وقف إطلاق النار إلى خلق فترة انتقالية من حرب أهلية وإقليمية شديدة الكثافة إلى مفاوضات هادئة حول عملية سياسية. وتُعد هذه الفترة الانتقالية غير مريحة بالنسبة للحوثيين، الذين لا يحكمون إلا في زمن الحرب وليس لديهم إمكانية الوصول إلى الموارد الطبيعية الأكثر قيمة في اليمن، وهي النفط والغاز.
وتقدر الأمم المتحدة الإيرادات السنوية للحوثيين بنحو 1.8 مليار دولار، وهو مبلغ لا يكفي لإبقاء أكثر من 25 مليون يمني تحت سيطرتهم. لقد أمضى الحوثيون سنوات وأيامًا في محاولة الاستيلاء على حقول النفط والغاز في اليمن دون جدوى. وتشكل الهجمات البحرية أداة جديدة قوية في أيدي الحوثيين لتعزيز سيطرتهم.
وحتى لو تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن الحوثيين ما زالوا قادرين على تبرير هجماتهم، على سبيل المثال من خلال الاعتراض على استمرار وجود قوات الأمن الإسرائيلية في قطاع غزة أو المطالبة بضمانات لقيام دولة فلسطينية.
الحوثي والحل طويل الأمد
بحلول 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يسعى الحوثيون إلى تحقيق عملية سياسية تدعمها الأمم المتحدة والتي من شأنها أن تسمح لهم بالوصول إلى موارد اقتصادية إضافية وقد تؤدي في نهاية المطاف إلى إضفاء الطابع الرسمي على سيطرتهم على شمال اليمن. ومع تأثير هجمات الحوثيين على أكثر من ربع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، يظل مستقبل العملية غير واضح.
منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نشرت قوات الحوثيين طائرات مسيرة وصواريخ لمهاجمة السفن الدولية في البحر الأحمر. الصورة: ريا نوفوستي |
ومع تعثر العملية السياسية، قد يواصل الحوثيون جهودهم للسيطرة على موارد النفط والغاز في اليمن بالقوة، مستغلين الزخم الناجم عن الهجمات في البحر. وقد استغل الحوثيون هجمات البحر الأحمر لشن حملة تجنيد قسري، بما في ذلك للأطفال. وقد يستغل الحوثيون أيضًا المخاوف في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشأن الهجمات الحوثية الأخيرة على أراضيهما. ومن الممكن أن تفتح مثل هذه الهجمات جبهة جديدة في الصراع الأوسع في الشرق الأوسط.
وعلى وجه الخصوص، قد يستغل الحوثيون هذا القلق لضمان عدم قيام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتزويد حلفائهما في اليمن بالدعم الذي يحتاجونه لصد هجمات الحوثيين على حقول النفط والغاز. وفي حين قد يسيطر الحوثيون على تلك الحقول النفطية، فإن البنية التحتية للتصدير تقع أبعد إلى الجنوب، في قلب جنوب اليمن السابق، حيث المعارضة المناهضة للحوثيين هي الأقوى، وحيث تمتلك الإمارات العربية المتحدة أصولا كبيرة، مما يفتح الباب أمام جولة جديدة من الصراع المطول الذي قد ينتشر عبر الخليج. وبالتالي فإن أي هجوم ناجح للحوثيين من شأنه أن يزيل إحدى العقبات القليلة المتبقية أمام سلطتهم دون أن يوفر حلاً دائماً للاضطرابات في اليمن، وهو ما يزيد من ظروف الفوضى التي قد تؤدي إلى استمرار هجمات الحوثيين على الشحن.
في حين أن بعض المحللين يفضلون الدعم الأمريكي لشن هجوم ضد الحوثيين، فإن الظروف لمثل هذا الهجوم أقل ملاءمة مما كانت عليه خلال السنوات الخمس الماضية، عندما فشلت الهجمات المدعومة من السعودية والإمارات في تحقيق تقدم كبير. كانت آخر التطورات الكبرى على ساحة المعركة ضد الحوثيين في عام 2018، عندما كانت قوات الحوثيين أضعف بكثير وكانت الإمارات العربية المتحدة على استعداد لتخصيص قوات كبيرة لوجود بري، بما في ذلك الهجوم البرمائي الذي تقوده الإمارات. ومن الصعب أن نتخيل أن الولايات المتحدة أو الأطراف الإقليمية المعنية تقدم مثل هذا الدعم في الوقت الحالي.
[إعلان 2]
المصدر: https://congthuong.vn/moi-de-doa-tu-houthi-doi-voi-quyen-tu-do-hang-hai-323535.html
تعليق (0)