في عصر يتميز بالعولمة السريعة وديناميكيات القوة المتغيرة، برزت مجموعة البريكس - التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا - كقوة مهمة على الساحة الدولية. مع تزايد عدد أعضائها باستمرار، لم تعد مجموعة البريكس مجرد كتلة اقتصادية، بل أصبحت أيضاً "المهندس" الرئيسي لنظام عالمي جديد، يتحدى هيمنة القوى العظمى التي استمرت طويلاً.
جاذبية البريكس
لا يمكن إنكار التغيرات الهائلة التي شهدها العالم. من نظام عالمي أحادي القطب بدائي يرتكز على هيمنة القوى العظمى، انتقل العالم تدريجيا إلى نظام إحداثيات آخر متدهور بطريقة سلسة وتقدمية. لقد أصبحت مجموعة البريكس تجسيدًا لروح العصر، حيث تعمل باستمرار على تعزيز التعددية والشمول والمساعدة المتبادلة.
تضم مجموعة البريكس حاليا عضوين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (روسيا والصين)، وثلاث قوى نووية (روسيا والصين والهند)، وأربع دول على قائمة الاقتصادات الرائدة في العالم، مثل روسيا والصين والهند والبرازيل. وإذا نظرنا على نطاق أوسع، فإن عدد الاقتصادات القوية المشاركة في آلية التعاون هذه أكبر بكثير من عدد آليات التعاون التي انضمت حديثا إلى مجموعة البريكس أو البريكس+.
وبحسب محللين سياسيين فإن توسع مجموعة البريكس بأعضاء جدد من كبار المصدرين للطاقة، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران، يساهم في رفع مكانة مجموعة البريكس كجمعية للطاقة والمالية. إن دولاً مثل روسيا والصين وإيران لديها حافز أكبر لتطوير أنظمة عملة بديلة جديدة "خالية من الدولار" للتخفيف من تأثير العقوبات الغربية القاسية.
إن إدراج قوى الطاقة في مجموعة البريكس من شأنه أيضاً أن يساعد على تحفيز تطوير أسواق تجارية جديدة للسلع الأساسية المرتبطة بالطاقة، بما في ذلك النفط الخام والغاز. قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، خلال قمة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في 16 مايو/أيار، إن حصة الروبل واليوان في التجارة بين روسيا والصين تجاوزت 90% وما زالت تنمو.
قال الدكتور ألكسندر كوروليف، من قسم الاقتصاد السياسي العالمي في المدرسة العليا للاقتصاد، إن مجموعة البريكس أصبحت أكثر جاذبية كمنظمة تعاون دولي متعدد الأطراف، تمثل صوت دول جنوب آسيا في نصف الكرة الأرضية، وتروج للنظام العالمي المتعدد الأقطاب. ويتجلى ذلك من خلال الجوانب التالية:
أولاً، سلطت قمة البريكس في قازان/روسيا في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2024 الضوء بوضوح على موقف البريكس كواحدة من الأماكن القليلة التي يمكنها أن تجمع بين البلدان ذات وجهات النظر المتشابهة في السياسة الخارجية، والنفوذ، والمصالح والطموحات الدبلوماسية المختلفة للغاية، لتجلس معًا لخلق عالم أكثر إشراقًا. السلام والاستقرار. ورغم الانتقادات التي وجهت إلى صيغة "المنتدى" التي تتبناها مجموعة البريكس، فإن الفرصة التي تتيح لعشرات البلدان التجمع في مكان واحد وإجراء حوار مباشر خلف الكواليس حول القضايا الأكثر أهمية بالنسبة لها تشكل فرصة مرحب بها. وينبغي لها أن تتعاون مع شركائها في هذا الحوار. ولا يزال من الممكن النظر إلى هذه المسألة باعتبارها مورداً قيماً وتدهوراً إضافياً لبنية العلاقات الدولية المنقسمة والمتضاربة بالفعل.
ثانيا، إن الطابع غير الرسمي والأجندة المتنوعة لمجموعة البريكس تسمح لمعظم البلدان المشاركة بالمساهمة بأصواتها وممارسة الضغوط من أجل مجموعة متنوعة من المبادرات. تعتبر روسيا بمثابة "جسر" يعزز عالمًا متعدد الأقطاب من خلال إدخال آليات مالية بديلة، وبدء إنشاء البورصات (بورصات الاستثمار والحبوب والماس والمعادن الثمينة) والجهود المبذولة للتوفيق بين أرمينيا وأذربيجان من خلال ترتيب لقاء زعماء البلدين. الجلوس على طاولة المفاوضات
ثالثا، ربما لم تكن أي وثيقة سبق وأن اعتمدت في المحافل الدولية مليئة بالصيغ والدعوات لتحسين نظام الحكم العالمي وبناء نظام عالمي متعدد الأقطاب متوازن. واهتم المجتمع الدولي بشكل خاص بالدعوة إلى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وتوسيع قائمة الأعضاء الدائمين بإضافة دول من أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا.
رابعا، تشارك مجموعة البريكس بشكل نشط في "النقاط الساخنة" لتعزيز السلام العالمي. وأدانت الدول المشاركة الحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار، وشددت على ضرورة الاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة. كما اهتمت مجموعة البريكس بقضايا إقليمية أخرى، وإن كانت أقل بروزاً من الصراعات في الشرق الأوسط، مثل الأزمة الإنسانية في السودان والاضطرابات في هايتي.
صورة متباينة
إن جاذبية مجموعة البريكس على وجه الخصوص، أو الدور المتزايد باستمرار لدول نصف الكرة الجنوبي بشكل عام، من شأنه أن يعمق إضعاف الدول الغربية، أو صعود الموجة "غير الغربية". ويتسم هذا الأمر بتراجع نفوذ الدول الغربية وغياب مشاركتها، وخاصة في السياق السياسي والأمني العالمي المعقد الحالي. لقد كشفت القضية الأوكرانية عن تصدعات وانقسامات متزايدة داخل الغرب، بدءاً من حزم المساعدات العسكرية لأوكرانيا وحتى نهجها في حل الصراع مع روسيا.
ومن الواضح أن النظام العالمي الجديد يتغير بسرعة، ويبدو أن آلية التعددية الكلاسيكية لم تعد مناسبة. ومن الممكن رؤية الدليل على ذلك في عجز الأمم المتحدة عن حل أي مشكلة تقريباً. والبديل لذلك هو التعاون ليس على المستوى العالمي ولكن على المستوى المحلي. وهذا يعني أن العديد من المجموعات الصغيرة من الدول تتفاعل مع بعضها البعض لحل المشاكل أو تحقيق هدف معين.
يواجه العالم العديد من التهديدات العالمية والعابرة للحدود الوطنية. ويمكن أن تتراوح هذه التحديات من قضايا أمنية غير تقليدية، مثل الأوبئة (مثل كوفيد-19)، وتغير المناخ، والأمن السيبراني، إلى قضايا أمنية تقليدية، مثل الصراعات العسكرية، والإرهاب، وغيرها من التهديدات الأمنية. تتطلب التحديات العالمية اتخاذ إجراءات منسقة من جانب المجتمع الدولي. لم يعد بإمكان أي بلد اليوم التعامل مع التحديات الأمنية بمفرده، وبالتالي سيتعين عليها تعزيز التعاون الدولي. ورغم أن النظام العالمي الحالي لا يزال خاضعاً لهيمنة الغرب، فإن البلدان النامية كانت قد شكلت تحالفات قائمة على العدالة وسيادة القانون.
ها آنه
[إعلان رقم 2]
المصدر: https://www.congluan.vn/brics-kien-truc-su-chinh-cho-mot-trat-tu-the-gioi-moi-post331232.html
تعليق (0)