صورة توضيحية. |
في عام 2023، سيتقدم الاقتصاد العالمي "ببطء". وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، فإن النمو العالمي سينخفض إلى 3% هذا العام، بدلا من 3.5% العام الماضي، ويستمر في الانخفاض إلى 2.9% العام المقبل، وهو أقل بكثير من متوسط معدل النمو الاقتصادي في التاريخ.
إن الصراع بين إسرائيل وحماس يضيف ضربة أخرى إلى الجسم الذي لم يتعاف بعد بشكل كامل، مما يجعل الاقتصادات التي تعاني بالفعل من انخفاض النمو وغير المتوازن أكثر عدم استقرارا.
غير مستقر
حذر رئيس البنك الدولي أجاي بانجا من أن العالم يعيش فترة "خطيرة للغاية". إن كافة سيناريوهات الصراع قد تدفع أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية مرتفعة، ومعدلات التضخم إلى الارتفاع، ونمو الاقتصاد العالمي إلى التباطؤ. ويقول الخبراء إن الصراعات في الشرق الأوسط قد تخلق تحديات جديدة، وتزيد من عدم الاستقرار في التوقعات الاقتصادية العالمية.
في واقع الأمر، أصبحت الاضطرابات في قطاع غزة والصراع بين روسيا وأوكرانيا أكبر صدمتين لأسواق السلع الأساسية منذ سبعينيات القرن العشرين. ووفقاً لكبير خبراء الاقتصاد في البنك الدولي إندرميت جيل، إذا استمر الصراع في التصعيد، فسوف يواجه الاقتصاد العالمي أول صدمة طاقة مزدوجة منذ عقود، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تأجيج التضخم مرة أخرى، بعد الجهود التي بذلتها البنوك المركزية لتشديد السياسة النقدية.
وارتفعت أسعار النفط بنسبة 6% منذ الصراع بين إسرائيل وحماس، في حين ظلت أسعار السلع الزراعية والمعادن والسلع الأخرى دون تغيير إلى حد كبير. وبناء على تاريخ الصراعات الإقليمية منذ سبعينيات القرن العشرين، يتوقع تقرير البنك الدولي ثلاثة سيناريوهات من حيث الخطورة المتزايدة.
وفي سيناريو متفائل، مع تأثير مماثل للوضع في ليبيا في عام 2011، قد ترتفع أسعار النفط بنسبة تتراوح بين 3 و13% إلى 93-102 دولار للبرميل.
وإذا ظل خطر الاضطرابات عند مستوى معتدل، كما كان الحال في العراق في عام 2003، فقد ترتفع أسعار النفط إلى 109-121 دولاراً للبرميل.
وفي السيناريو الأكثر خطورة، قد تصل أسعار النفط إلى ذروتها عند 140-157 دولارا للبرميل، متجاوزة أعلى مستوى لها منذ عام 2008.
وقال كبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي بيير أوليفييه جورينشاس إن ارتفاع أسعار النفط بنسبة 10% من شأنه أن يخفض النمو الاقتصادي العالمي العام المقبل بنحو 0.15 نقطة مئوية، في حين سيرتفع التضخم بنحو 0.4 نقطة مئوية.
وفي تقرير آفاق الاقتصاد العالمي للنصف الثاني من عام 2023، أشار صندوق النقد الدولي إلى ثلاثة مخاطر رئيسية تواجه العالم: التضخم، وعدم استقرار الأسواق المالية، وتشابك الجغرافيا السياسية والحمائية.
ويعتبر ارتفاع أسعار الطاقة بسبب تأثير الصراعات هو الخطر الأول. ومن بين هذه المخاطر، فإن خطر امتداد الصراع بين إسرائيل وحماس، مع احتمال تورط العلاقات الوثيقة بين إيران وحماس والولايات المتحدة وإسرائيل، قد يؤدي إلى تقليص العرض في سوق النفط ودفع أسعار الطاقة إلى الارتفاع.
أما الخطر الثاني فهو استقرار الأسواق المالية. على مدى العامين الماضيين، لم تتمكن البنوك المركزية في مختلف البلدان من استكمال خارطة الطريق المتمثلة في زيادات أسعار الفائدة المستمرة والممتدة للسيطرة على التضخم. إن ارتفاع تكاليف الديون هو نتيجة متوقعة للسياسة النقدية المتشددة. يمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة إلى تفاقم نقاط الضعف في الأسواق المالية، مما يؤدي إلى زيادة حالات التخلف عن السداد.
حمائية جديدة؟
ويعتبر التداخل بين الجغرافيا السياسية والحمائية التجارية، الذي يعوق التجارة والاستثمار الدوليين، الخطر الثالث الذي يهدد الاقتصاد العالمي، وهو المشكلة الأكبر، مع إمكانية إحداث تأثير بعيد المدى.
إن التجارة الدولية هي محرك النمو الاقتصادي العالمي، ولكن هذا المحرك يضعف. لقد دفعت المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين والصراع بين روسيا وأوكرانيا الشركات المتعددة الجنسيات إلى اعتبار الجغرافيا السياسية متغيرا يجب مراعاته. لقد أدى الصراع بين إسرائيل وحماس إلى جعل الشركات المتعددة الجنسيات تولي اهتماما أكبر للجغرافيا السياسية.
وفي مقال بعنوان "العدو الحقيقي للاقتصاد العالمي هو الجغرافيا السياسية، وليس الحمائية"، أكد الباحث في جامعة هارفارد داني رودريك أن الخطر الأكبر الذي يواجه الاقتصاد العالمي يأتي من المنافسة بين القوتين الرائدتين في العالم، الولايات المتحدة والصين، والتي يمكن أن تؤثر على الجميع.
إن تحليل المؤلف في المقال مناسب تمامًا للاقتصاد العالمي اليوم - وهو عالم أكثر عدم استقرارًا وعرضة للصراع. ويشهد العالم تصاعد التشرذم، وتزايد الحواجز أمام التجارة والاستثمار، والشكل المتطرف من أشكال الشركات الاقتصادية، والعولمة الاقتصادية التي تتخذ شكلاً مختلفاً.
وقد أظهرت الصين والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة علامات على تحسن الاتصالات بينهما، إلا أن الصراع بين إسرائيل وحماس كان له تأثير سلبي على المنافسة الاستراتيجية بين البلدين. لقد أصبحت الجغرافيا السياسية عاملا رئيسيا في إعاقة التنمية الاقتصادية العالمية.
لم تعد التجارة بين الولايات المتحدة والصين "محفزًا" للسلام، لكن المنافسة الاستراتيجية بين العملاقين تعمل على تغيير سلسلة التوريد العالمية.
وفي مقال له تحت عنوان "التجارة الحرة في عالم مجزأ"، حلل أستاذ الاقتصاد كريج إيمرسون وجهة النظر ذاتها، حيث قال إنه عندما تتنافس قوتان عظميان على التفوق وتعود معظم دول العالم إلى سياسة الحماية التجارية، فإن القوى المتوسطة تسعى إلى مسارات جديدة.
وتميل بعض البلدان إلى التحالف مع قوة عظمى أو أخرى لأغراض استراتيجية واقتصادية، في حين تظل بلدان أخرى محايدة.
في نصف القرن الماضي، استفادت كافة البلدان، الكبيرة والصغيرة، من عملية التكامل العالمي. الاتجاه نحو توسيع الحدود الاقتصادية والترابط القوي في ضوء الرأي القائل بأن البلدان المترابطة اقتصاديًا أقل عرضة للتفكير في الصراع.
والآن، ومع عودة الحمائية، أصبح المنتجون المحليون بحاجة إلى الحماية من المنافسين الأجانب، ولضمان بقاء الصناعات المحلية، بدأت عملية جديدة من الانفصال العالمي.
ومن الجدير بالذكر تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي نقله لاحقا إلى إدارته التي خلفته، بأن أميركا سوف تصبح عظيمة مرة أخرى في المنافسة مع الصين من خلال إعادة الوظائف والصناعة إلى الوطن. وليس هذا فحسب، بل ولأسباب تتعلق بالأمن القومي، فإن العديد من المنتجات المستوردة من بلدان أخرى تخضع لقيود، أو لفئة تعريفة جمركية خاصة...
وفي الوقت نفسه، أصرت الصين لفترة طويلة على تنفيذ سلسلة من السياسات الصناعية، بما في ذلك الحماية التجارية، على الرغم من الانتقادات من الدول الغربية.
[إعلان رقم 2]
مصدر
تعليق (0)