زعيما روسيا وكوريا الشمالية خلال زيارة لمركز فوستوتشني الفضائي الروسي. (المصدر: رويترز) |
وفي أول زيارة رسمية له منذ أربع سنوات، سافر الزعيم الكوري الشمالي إلى روسيا للقاء الرئيس بوتن وحضور المنتدى الاقتصادي للشرق الأقصى. وقال السيد كيم للزعيم الروسي إن هذا اللقاء رفع العلاقات الثنائية بين روسيا وكوريا الشمالية إلى مستوى جديد.
وكما علقت وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية، فإن هذا "حدث فاصل" من شأنه أن يساعد في تعزيز العلاقة الاستراتيجية بين روسيا وكوريا الشمالية، بما في ذلك، بطبيعة الحال، العلاقات الاقتصادية.
تقارب المصالح الاستراتيجية
وتعتبر كوريا الشمالية ذات أهمية جيوسياسية خاصة بالنسبة لروسيا، نظرا لموقعها المحوري في شمال شرق آسيا وحدودها المشتركة الصغيرة ولكن الاستراتيجية.
على مدى سنوات عديدة، تأثرت التجارة بين روسيا وكوريا الشمالية بالعقوبات الدولية والسياسات الكورية الشمالية. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة تحولاً في ديناميكيات التنمية الاقتصادية، مما سلط الضوء على الاستراتيجية الاقتصادية الدولية المتطورة لكوريا الشمالية وسعي روسيا إلى إيجاد شركاء تجاريين بديلين في آسيا، مما يمهد الطريق لزيادة التعاون الثنائي.
وفي حين تحافظ الدولتان على علاقات ودية، فإن المشهد الجيوسياسي الحالي يدفعهما إلى استكشاف شراكات استراتيجية وتجارية أعمق.
وفي مواجهة العقوبات الغربية، يتطلع البلدان إلى تنويع العلاقات الاقتصادية. وفي الواقع، أظهرت نتائج التجارة خلال العامين الماضيين اتجاها تصاعديا واضحا إلى حد ما.
ورغم صعوبة الحصول على أرقام دقيقة، فقد أفادت التقارير أن حجم التجارة الثنائية بلغ 120 مليون دولار العام الماضي، وهو ما يمثل زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات الماضية. وبطبيعة الحال، عند مقارنتها بحجم التجارة بين كوريا الشمالية والصين، يبدو هذا الرقم أكثر تواضعا بكثير.
ومع ذلك، فإن مسار تطور العلاقات التجارية الثنائية بين روسيا وكوريا الشمالية لا يمكن إنكاره.
من حيث هيكل التجارة الثنائية، تصدر روسيا منذ فترة طويلة النفط الخام ومنتجات البترول والفحم والآلات ومنتجات الأخشاب إلى كوريا الشمالية. وفي المقابل، تصدر كوريا الشمالية بشكل رئيسي المواد الخام والعمالة (العمال الكوريون الشماليون في الخارج).
وقد وجد آلاف العمال الكوريين الشماليين، المعروفين بانضباطهم وأخلاقيات العمل، وظائف في قطاعي البناء والأخشاب في روسيا. وهذا ليس مصدرا مهما للإيرادات بالنسبة لبيونج يانج فحسب، بل إنه بمثابة جسر دبلوماسي، مما يعزز العلاقة بين البلدين.
في غضون ذلك، أبدت الشركات الروسية اهتمامها بقطاع التعدين في كوريا الشمالية، وخاصة احتياطياتها الضخمة من المعادن الأرضية النادرة.
وفي الوقت نفسه، وجدت المنتجات الكورية الشمالية، بما في ذلك المنتجات الزراعية والأدوية الشرقية، سوقاً متزايدة الحجم في روسيا.
وبالإضافة إلى التجارة، يتزايد زخم الاستثمار. ورغم أن الاستثمار بين البلدين لا يزال محدودا، إلا أنه يظهر دلائل على نمو محتمل. إن استثمار روسيا في المناطق الاقتصادية الخاصة في كوريا الشمالية، وخاصة منطقة راسون الاقتصادية، هو شهادة على رؤيتها طويلة الأمد للعلاقة الاستراتيجية.
تهدف هذه المناطق الخاصة إلى جذب الاستثمار الأجنبي، وتوفير فرص مربحة للشركات الروسية، من التصنيع إلى الخدمات اللوجستية. وتشمل المجالات ذات الاهتمام الكبير لكلا الجانبين الطاقة والبنية الأساسية والتعدين.
وترى روسيا، بخبرتها الغنية في تطوير البنية الأساسية في التضاريس الصعبة، أن حاجة كوريا الشمالية إلى تطوير السكك الحديدية والطرق والموانئ تشكل فرصة رئيسية.
وفي الوقت نفسه، من ناحية أخرى، تظل احتياجات كوريا الشمالية في مجال البنية التحتية ضخمة. تتوافق احتياجات البلاد لتطوير السكك الحديدية والطرق والموانئ مع قدرات روسيا في تطوير البنية التحتية. وبطبيعة الحال، لم يكن بوسع الشركات الروسية أن تفوت هذه الفرصة "الفريدة"، فسرعان ما أعربت عن اهتمامها بهذه المناطق في كوريا الشمالية عندما أدركت إمكانات النمو الضخمة من هنا.
ويقول المحللون إن قصة العلاقات الاقتصادية بين روسيا وكوريا الشمالية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتفاعل الاستراتيجي والسياسي. إن التركيز الخاص الذي أبدته كوريا الشمالية مؤخراً على التحديث الاقتصادي والتقدم العلمي، إلى جانب سياسة "النظر شرقاً" التي تنتهجها روسيا، من شأنه أن يمهد الطريق لتعزيز العلاقات وقد يبشر بآفاق واعدة.
من وجهة نظر روسيا، تعتبر كوريا الشمالية بمثابة ثقل موازن للنفوذ الأميركي المتزايد في المنطقة. وتدعم روسيا صوت كوريا الشمالية في المحافل الآسيوية المتعددة الأطراف، وترى أن هناك تقارباً في المصالح الاستراتيجية هناك.
ومع المشاركة المتزايدة لكوريا الشمالية في المنتديات الإقليمية المتعددة الأطراف واستعداد روسيا للمشاركة، حتى خارج نطاق القضية العسكرية أو النووية، فإن السنوات المقبلة قد تشهد شراكة استراتيجية واقتصادية أقوى بين هذين البلدين المترابطين تاريخيا.
حل التحديات وتعزيز الفرص
ومن المؤكد أن الطريق إلى الاستثمار الثنائي القوي ليس خاليا من العقبات. لقد أدت العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية إلى تعقيد العمليات التجارية والمصرفية، مما جعل العمليات التجارية صعبة.
وعلاوة على ذلك، فإن الافتقار إلى البيانات التفصيلية والشفافة من كوريا الشمالية يجعل من الصعب على المستثمرين الروس المحتملين اتخاذ قرارات مستنيرة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من التحديات، بما في ذلك العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب والتي قد تعيق التقدم السريع في التعاون، فقد تم "زرع" الأساس للتنمية والنمو المستقبلي.
في الوقت الحالي، تتمتع روسيا وكوريا الشمالية بإمكانات كبيرة لبرامج التبادل الطلابي والتفاعلات الثقافية والتعاون العلمي، حيث يتمتع كلا البلدين بتاريخ غني من البراعة الأكاديمية والعلمية. ومن ثم فإن التعاون في تطوير التكنولوجيا والابتكار قد يكون بمثابة "الحدود" التالية التي يتعين إزالتها.
ويرى المراقبون أن الصراع بين روسيا وأوكرانيا أصبح حدثا محوريا، ويعمل كمحفز لتغييرات أكبر في النظام العالمي. وبينما تعمل روسيا على إعادة توجيه استراتيجياتها وأولوياتها، تبرز علاقتها مع كوريا الشمالية كبصيص من الراحة وسط سحابة من عدم اليقين الجيوسياسي.
إن التعاون المتنامي بين روسيا وكوريا الشمالية يعكس التكيف الاستراتيجي مع الواقع الجيوسياسي في شمال شرق آسيا. ومن الواضح أن كلا البلدين يحددان مصالحهما على أساس الظروف الإقليمية والعالمية الحالية. والحقيقة أن قيام كوريا الشمالية بفتح ستة مكاتب تجارية في روسيا مؤخراً يتحدث عن مجلدات.
وعلاوة على ذلك، وفي إطار علاقة مهمة أخرى، والتي تعتز بها بيونج يانج بالتأكيد، كانت روسيا دائما من مقدمي المساعدات الإنسانية السخية لكوريا الشمالية، وخاصة خلال الأوقات التي واجهت فيها البلاد نقصا في الغذاء.
وتأتي هذه المساعدات في أغلب الأحيان في شكل سلع أساسية مخفضة الأسعار، وخاصة مصادر الطاقة مثل الفحم والنفط. وعلاوة على ذلك، كانت هناك حالات قدمت فيها روسيا تخفيفا للديون وإعادة هيكلتها لكوريا الشمالية، وهو ما يعكس أيضا الروابط الاقتصادية والقرب السياسي بين البلدين.
[إعلان 2]
مصدر
تعليق (0)