أزمة البحر الأحمر والمشكلة الاقتصادية والعسكرية الأوروبية

يعكس البحر الأحمر الصعوبات الاقتصادية والعسكرية التي تواجهها أوروبا.

وبحسب مقال للكاتب لوران سيليرييه، المحاضر في معهد العلوم السياسية (فرنسا)، نُشر على موقع معهد مونتين، فإنه منذ استيلاء قوات الحوثي على سفينة شحن وإعلانها ذلك في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، تحول مضيق باب المندب من كونه نقطة عبور استراتيجية، خاصة في مجال نقل النفط، إلى عنق زجاجة اقتصادي. في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما استولى كوماندوز ميليشيا الحوثي على السفينة التجارية "جالاكسي ليدر" في جنوب البحر الأحمر، تم الإبلاغ عن الهجوم على نطاق واسع في وسائل الإعلام، مما يدل على دعم جماعة الحوثي المسلحة في اليمن لحركة حماس في معارضة العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وبعد ستة أشهر، وبعد وقوع أكثر من 50 هجوماً على السفن المارة عبر البحر الأحمر، مما أدى إلى إتلاف أكثر من 15 سفينة، بدا الوضع في منطقة جنوب البحر الأحمر وكأنه يعكس الصعوبات الاقتصادية والعسكرية التي تواجهها أوروبا.

لقد أصبح مضيق باب المندب، وهو نقطة اختناق استراتيجية للتجارة البحرية الدولية ويمر عبره 12% من حركة الشحن العالمية ومليون برميل من النفط يوميا، منطقة غير آمنة للغاية، مما يشكل خطرا على حركة النقل البحري بين أوروبا وآسيا. وفي أوائل أبريل/نيسان، انخفض عدد السفن المارة عبر المضيق بنسبة 50% مقارنة بعام 2023، من أكثر من 500 سفينة أسبوعيا إلى حوالي 250 سفينة.

ويؤدي هذا الوضع إلى زيادة التكاليف بالنسبة لأصحاب السفن: من حيث تكاليف التأمين (تصل إلى 100%) إذا استمرت السفينة في المرور عبر قناة السويس أو من حيث وقت العبور (تصل إلى 38% على طريق شنغهاي - روتردام). وتساهم هذه التكاليف الإضافية في التضخم، وتثقل كاهل الاقتصاد، ويتحملها في نهاية المطاف المستهلكون الأوروبيون. ولكن ليس هذا فحسب، بل إن الاضطرابات في البحر الأحمر أرسلت رسالة واضحة: بمجرد انسداد شريان الحياة للتجارة العالمية، فإن الاقتصاد الأوروبي ــ الذي يعتمد على نفط الخليج والذي بذل جهودا حثيثة لتحسين سلسلة القيمة الخاصة به للاستفادة من انخفاض تكاليف الإنتاج في آسيا ــ سوف يعاني من العواقب.

عملية أسبايدس تواجه تحديات كبيرة

ولمواجهة الهجمات في البحر الأحمر، ظهرت سريعاً في المنطقة دول ذات قدرات بحرية وجوية، وخاصة الولايات المتحدة بثلاث مدمرات، والمملكة المتحدة وفرنسا بكل منهما مدمرة واحدة. في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، بادرت واشنطن إلى إنشاء تحالف "حارس الرخاء" (بمشاركة 10 دول، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وإسبانيا وسيشل)، وأجرت عمليات ضد الحوثيين في البحر الأحمر. ويمكن للدول المذكورة أعلاه المشاركة على مستويات مختلفة، بدءاً من إرسال الفرقاطات وحتى إيفاد ضباط الاتصال.

وأخيرا، قرر المجلس الأوروبي في 19 فبراير/شباط إطلاق عملية أمنية بحرية تسمى "عملية أسبايدس"، وهو ما يمثل التزام الاتحاد الأوروبي الملموس في المنطقة بضمان الأمن البحري. عملية أسبايدس تجمع 19 دولة من الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، حتى الآن، لم تشارك سوى أربع دول أعضاء (بما في ذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا واليونان) على أعلى مستوى من خلال إرسال فرقاطات للانضمام إلى هذه الحملة.

وفي أوائل أبريل/نيسان، دمرت العملية 10 طائرات بدون طيار، بما في ذلك 9 في الجو وواحدة على السطح، واعترضت 4 صواريخ باليستية، ورافقت بنجاح 79 سفينة، وتلبية جميع طلبات المرافقة، حتى للسفن التي ليس لها اتصال مباشر مع الاتحاد الأوروبي.

ولكن هذه النتائج المشجعة لا تخفي نقاط الضعف التي تعيب الحملة. أولاً وقبل كل شيء، يتعلق الأمر بمهام دفاعية بحتة. وأشار قائد العملية إلى أننا لا نهاجم الحوثيين رغم أننا قادرون على ذلك ولكن لدينا مهمة أخرى. من الناحية العسكرية، نجد أنفسنا في أسوأ وضع ممكن. بمعنى آخر، نحن دائمًا في انتظار أن نُستهدف .

منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2023، نشرت قوات الحوثيين طائرات مسيرة وصواريخ لمهاجمة السفن الدولية في البحر الأحمر. الصورة: ريا نوفوستي

وتؤدي هذه المهمة إلى إيجاد حل وسط بين الكفاءة وتقليل مخاطر التصعيد، مما قد يعرض سلامة الطاقم للخطر. كان هذا، إذن، هو الضعف الثاني للحملة ــ ضرورة الاستجابة في اللحظة الأخيرة تتطلب إعداداً عملياتياً مثالياً، وهو ما وجدت العديد من القوات البحرية الأوروبية صعوبة في تحقيقه. في الواقع، أسقطت الفرقاطة الألمانية هيسن عن طريق الخطأ طائرة أمريكية بدون طيار من طراز ريبر، وواجهت صعوبة في إطلاق صاروخ RIM-162.

غادرت الفرقاطة هيسن العملية في 23 أبريل ومن المتوقع أن تصل بديلة لها قبل أغسطس. لم تصل الفرقاطة البلجيكية لويز ماري، التي غادرت زيبروج في 10 مارس/آذار، إلى منطقة العمليات بعد حادثة صاروخ RIM-7 Sea Sparrow. وفي حين يقدر قائد العملية أن هناك حاجة إلى ضعف عدد الفرقاطات لإعادة إرساء المستوى اللازم من الأمن في البحر، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على الحفاظ على أربع من هذه السفن في حالة جيدة بشكل دائم كانت تشكل تحدياً.

استعادة السلامة البحرية في البحر الأحمر

إن الوضع في البحر الأحمر لا يظهر درجة معينة من الحذر في الحملة فحسب، بل يعكس قبل كل شيء هشاشة الموارد البحرية الأوروبية، وهي نتيجة للانخفاض المستمر في حجم البحرية على مدى السنوات العشرين الماضية: فقد انخفض عدد المدمرات التابعة للاتحاد الأوروبي بأكثر من 32٪ (من 1999 إلى 2018). وتعتمد كل الجهود المبذولة لضمان الأمن في البحر الأحمر إلى حد كبير على البحرية الفرنسية - التي تمثل حوالي 20% من القدرة البحرية للاتحاد الأوروبي، وتشارك باستمرار في العمليات في البحر الأحمر وتنفذ غالبية عمليات الاعتراض.

إن استعادة السلامة البحرية في البحر الأحمر تشكل أولوية وفرصة للبحريات الأوروبية. وفي المستقبل القريب، من الضروري زيادة تعبئة الموارد البحرية المتاحة والفعالة في أوروبا بسرعة. ويتطلب هذا أيضًا التنسيق الأمثل بين "عملية أسبايدس" وتحالف "حراس الرخاء"، وكذلك مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وخاصة المملكة العربية السعودية ومصر. وأخيرا، وقبل كل شيء، لا بد من تكثيف الضغط الدبلوماسي على إيران، حليفة قوات الحوثيين.

وفي الأمد المتوسط، من الضروري تحسين المستوى التشغيلي للقوات البحرية الأوروبية من خلال التدريب ونشر وسائل فعالة لمواجهة الطائرات بدون طيار. إن المساهمة في تثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة من شأنه أيضاً أن يخفف التوترات في مضيق باب المندب. ولكن ليس هناك ما يضمن أن يتوقف الحوثيون عن تنفيذ الهجمات، لأن هذه هي طريقتهم لتسليط الضوء على "مهمتهم" على نطاق عالمي.

وهكذا فإن الوضع في البحر الأحمر يقدم صورة لأوروبا وهي تكافح من أجل الحفاظ على ازدهارها الاقتصادي وحماية مصالحها العسكرية. يشكل البحر الأحمر مرآة تعكس التحديات والثغرات التي تواجه أوروبا، وتكشف عن نقاط ضعفها وعدم استقرارها.

المصدر: https://congthuong.vn/khung-hoang-bien-do-va-bai-toan-ve-kinh-te-quan-su-chau-au-329058.html